حكايات منسية… واعمار يا بلد

حكايات منسية… واعمار يا بلد
لم تكن رحلتي هذه لفلسطين كباقي الرحل… لم تكن كتلك الزيارات التي كنا نقضيها في احتساء فنجان القهوة مع نفس الأرجيلة… لم تكن كتلك الأوقات التي قضيناها في الضحك ولعب الشدّة… بل كانت رحلة… زيارة… وسفر في أرض الواقع بين جدران بيوت منسيّة… أغفل عنها الزمن… وتجمعت على رفوفها الغبار لتدثر ما تبقى من حياة كادت تشبه الموت.
لم أدع مخيلتي ولا كلام الناس أن يسرحوا بي… بل قررت بأن أرى بنفسي تلك الحيوات… ولقد رأيت… رأيت الحيوات التي تسخر من مقولة  “واعمار يا بلد”.
للأسف… نحن نعيش في مجتمع ذكوري بحت… ولن نرتقي إلى أي حضارة… قبل أن نرتقي بالمرأة… لا أنكر أن المرأة بات دورها بارزاً في مجتمعاتنا أكثر من السابق… ولكن كنسبة فهي ضئيلة… لم أُسند رأيي على ما نراه على شاشات التلفاز… وما نسمعه من قصص وأدلة بارزة… بل أسندته على القصص المنسية… على الحيوات التي كان من الأفضل لهم أن يطمسوا معالمها… لمحو أي ملامح أنثوية قد “تأذي وتجرح” ذكوريتهم… والتي لن أسميها رجولتهم… لأنها بعيدة كل البعد عن هذا المفهوم…
اسمحوا لي بأن أشارككم ببعض من هذه القصص المنسيّة … وتذكيركم ببعض القصص التي لم نستطع إغفالها…
– جلست مع إحدى النساء الجميلات… مطلقة هي لأنها لم تنجب له الأطفال وكان قد تزوج غيرها… سألتني عن عملي وتخصصي… وللأسف طريقتها في السؤال أوضحتلي بأنها لا تفقه شيئاً عن مراحل العلم… والتعليم الجامعي والعمل… كانت تتحدث ونحن نحتسي فنجان القهوة المرّ… هي تتحدث… وأنا أتمعن النظر اليها… لوجهها الجميل… وأفكر في ذاتي… لمَ؟ لمَ هذا الجهل؟ لم هذا الإصرار على أن دور الأنثى هو تلبية احتياجات الرجل الذكورية والمنزلية؟ لمَ عدم الاهتمام في تعليمها… في تكوين كيان لها في االمجتمع… ليرتقي بها وترتقي به.
كانت تناقشني… تحاورني… وليس لديها أدنى فكرة عمّا كنت أجاوبها… وحوّلت النقاش ليصبح الحديث ليتمحور على فكرة الزواج… تلك الفكرة التي ترعرعت معها… وزرعت في مخيلتها بأن هذا هو دورها… وهذا هو سبب مواصلتها في الحياة… حدثتني عن فرص الزواج من رجال متزوجين ولديهم أطفال, لكنهم يريدون زوجة أخرى… لا تنجب الأطفال لتستطيع الاهتمام والتفرغ للرجل…
يا للوقاحة! وجهلها لا يجعلها تبصر وتدرك تلك الوقاحة! أهذا دليل آخر على وجوب وجود المرأة كأداة لتلبية الاحتياجات؟! والذي يحزنني هو فرحها بهؤلاء الرجال! فما يهمها هو أن لا يفوتها “قطار العمر”… لأن هذا القطار لا يقوده إلّا رجال…. الذين صنعوا هذه الفكرة بالأساس… واعمار يا بلد!
-الخليل, يطا- في عمر الياسمين هي… بلغت من العمر واحد وعشرين ربيعا… جريمتان هي ارتكبت: الأولى بأنها وُلدت أنثى… والثانية خُلقت وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة…
الأولى كانت كافية لاغتصابها… والثانية كفلت بكتم صوتها وحرمانها حق الدفاع عن نفسها…
والدتها… تلك التي وجب عليها حماية ابنتها من الوحوش الهائجة…قتلتها بدم بارد وقلب أسود… بحجة أنها اكتشفت بأن ابنتها حامل
دماؤك ذهبت هدراً يا وردة الواحد والعشرين… لم تستطيعي الدفاع عن نفسك… فاستسهلوا اغتصابك… وهانت روحك… فقتلوك…
بتهمة “شرف العائلة”.
أي شرف؟ أي عائلة  تتحدثون عنها وأنتم تقتلون بناتكم بدون رحمة؟ أي شرف هذا الذي يدفع لارتكاب جريمة… قتل روح… بدون انسانية… أي شرف هذا وقد تجردتم من كل الانسانية… أي شرف؟ أي دين ذلك الذي تتبعونه؟ والله لو الدين نطق… لنطق متبرئاً من دينكم!  واعمار يا بلد!
–أكدت السيدة سريدا عبد حسين مدير طاقم شؤون المرأة لوكالة معا (مقالة ” كم يجب أن يقتل من نساء فلسطين؟”)  أنه حتى تاريخ 22-09-2013, وحسب احصائيات مركز المرأة للإرشاد القانوني فإن عدد الضحايا تحت بند “شرف العائلة”  في الأراضي الفلسطينية وصل 25 ضحية, علماً بأن عام 2012 قتلت 13 امرأة وعام 2011 قتلت اربع نساء.
والعدد في تزايد… ولك واعمار يا بلد!
كنت أظن أن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”… دفنوها…
كنت أظن أن البلد في حالة تقدم… وخطواته اقتربت إلى ما يسمى حضارة, ولكن عندما سافرت عبر الطرقات الضيّقة بين تلك الجدران المخفيّة… أدركت بأن البلد في حالة رجعيّة يرثى لها… يُشفق عليها… ونعم فإنها تستحق الغضب والثورة على هذا المجتمع الذكوري البحت… واعمار يا بلد!


 
 بقلم:عبير علّان

2 thoughts on “حكايات منسية… واعمار يا بلد

Leave a comment