فنجان القهوة الثاني مع الرسامة والكاتبة فدوى القاسم

بداية يجب أن أقول لكم ما تتوقعوا عن شخصية فدوى القاسم… لا تتوقعوا/ لا تتوقعن شيئاً!

فهي -كما تسمّي نفسها- غجرية الروح، وهذا بحد ذاته يعني معها قد تتوافد المواضيع الممكن التحدث فيها ومهما كان مضمونها… شخصية ممتعٌ الحديث معها وهذا ما يفسر تنوع الحوار هنا… وسأصدقكم القول بأن الوقت كان يمشي أسرع من حديثنا.. لحين داهمنا على غفلة لتكمل كلّ منّا يومها

فدوى القاسم هي فلسطينية الأصل، كندية الجنسية وطرابلسية المولد (1963)، لاجئة بالوراثة، وغجرية الروح… كما تعرف عن نفسها في كتاباتها ومن ضمنها كتاب رائحة الهيل الذي يعكس قصصاً من هنا وهناك… سأدع تفاصيلها لكم لتستكشفونها

فدوى القاسم التي قالت “ولدت… فإذا بي أنثى، فإذا بي مسلمة، فإذا بي فلسطينية، فإذا بي مغتربة، وافدة، لاجئة… أبحث عن انتماء يقبل بي”. وهذه من إحدى الجمل المفضلة لدي شخصياً من كتاباتها… اقرؤوا لحظة الخروج من الجنة لتعرفوا ما معنى الاغتراب عند غجرية الروح

  • بداية ست فدوى، أنتِ في دردشة في المقهى ولذلك يجب أن أسألك كيف تحبين قهوتك؟

أحب قهوتي من غير قهوة… فأنا من محبّي شاي إيرل غراي. وعندما كنت في فلسطين كانوا يسألونني طوال الوقت كيف أشرب قهوتي كنت أرد بأنني لا أشرب القهوة فكانوا يستغربون… أنا أحب رائحة القهوة ولكن لا أحب طعمها

  • بخصوص زيارتك لفلسطين.. لقد قرأت “ثمانية أيام في فلسطين”… وتحديداً في نص “حيث كنت سأكون” لفت انتباهي أسلوبكِ في الوصف وكأنكِ تعكسين الصراع مع الذات وكيف ترين الآخر وكيف يراكِ هو.. واستطعت التعايش مع وجهتَي نظر مختلفتين في آن، وحتى الطريقة التي ختمتِ بها بالإشارة إلى أنه كانت يجب أن تكون هنا –في فلسطين- أول قبلة وأول حُب… بمعنى أن تبدأ ذكرياتكِ في فلسطين… بما أن هذه وجهة نظرك فلمَ تأخرتْ زيارة فلسطين، وما الذي جعل طريقك لنسج ذكرياتكِ فيها بأن يتأخر؟

أنا ندمانة. وكما ذكرت سابقاً في حوار مع جريدة النهار لقد منعني الخوف، حتى أثناء زيارتي كنت مازلت خائفة، فأنا لم أعش أبداً مضطهدة في أي دولة، لقد كبرت في ليبيا ولم يكن فيها حرب، وعشت في بريطانيا واسبانيا ولم تكن أجواء حرب مثل لبنان أو سوريا أو فلسطين، ولذلك كنت دائماً أتسائل كيف سأتحدث مع إسرئيلي (محتل) حاملاً سلاحه. ولكن بعد زيارتي لفلسطين أيقنت بأن هذه ليست بحجة، وحتى البعض من أصدقائي كانوا “يتحججون” بعدم زيارة فلسطين لأنهم لن يتمالكوا أعصابهم أمام الجندي الإسرائيلي… والآن أقول لهم بأن هذه ليست بحجة، اذهبوا لفلسطين.. و”عصّبوا” إن لزم الأمر… ولكن الأفضل أن تتمالكوا أعصابكم لأن الجنود الإسرائيليين يريدونكم بأن تفقدوها

لقد ندمت كثيراً على تأخير هذه الزيارة وعاتبت نفسي أولاً “لماذا لم أذهب هناك من قبل”، وليس لدي أي إجابة غير الخوف، كما أنني لم أدرك كم كان سيؤثر بي هذا “المشوار”، لم أدرك أهميته. للأسف جوابي لا يقنعني حتى أنا. ثم هكذا فجأة قررت بأنه حان وقت زيارة فلسطين

عندما كنت على الحدود وقلت للجندية الإسرائيلية بأن هذه زيارتي الأولى لفلسطين، لقد رأيت ملامح القهر على وجهها وكأنها تقول “بالعمر هاد هلّا جاي… خلصنا منكم شو رجعك؟!”

  • ولكنهم يدركون بأننا شعب ذو إصرار عالٍ… دائمأ نعود

ومع ذلك إصرارنا دائماً يفاجئهم… ويسألون “ليش جايين”. حين سألونني عن سبب زيارتي قلت لهم لأرى أهل زوجي فصاروا يسألونني “أين زوجك.. ماذا يعمل” وكأن تهمتي الآن أصبحت زيارتي لفلسطين بدون زوجي

عندما كنت في “الباص” في الطريق بين الأردن وفلسطين سألت الناس “في شي لازم انتبه له وأحكيه أو ما أحكيه قدّام الإسرائيليين… فهذه زيارتي الأولى عطوني نصائح” فردّ عليّ شاب وقال لي “ما تحكي إنك جاية تشوفي كل فلسطين.. احكي بس جاي تشوفي القدس لأنه إزا حكيتي جاية تشوفي فلسطين بيعطوكِ فيزا بتحجزك في منطقة الضفة الغربية” وكانت هذه النصيحة في مكانها

والمضحك كان عندما قطعنا الحاجز كانت المسافة قد تأخذ 10-15 دقيقة وهي لا شيء.. ومن ثم وصلنا بعد انتظار دام لساعتين أو ثلاث في الباص. وهنا كانت صدمتي عالحدود أيضاً… أهذا هو ما كنت أخاف منه؟!!

بعدما انتهيت من جميع الاجراءات على الجسر وأنا أبحث عن طريق الخروج أضعت طريقي، فسألت العم الختيار من أين الخروج فدلّني على الطريق وأثر بي وأبكاني حين ظلّ يستدعي لي “يا بنيتي روحي الله يفتحها بوجهك…”

  • هل شعرتِ بعد الزيارة اختلف فنك… وكتاباتك ورسوماتكِ كقبل وبعد فلسطين؟

بالطبع ككاتبة وكشخص. والآن أصبحت أقنع الجميع بزيارة فلسطين

  • ستعودين؟

أكيد.. وأقول لأصدقائي بأن يذهبوا ولكن أن يكونوا حذرين وبأن يستكشفوا المكان.

  • لو “حكيتلك” اوصفي لي فلسطين بكلمة وصورة.

مؤلم… هذه الكلمة. ولكنه وصفٌ غير عادل لأنه لم يكن الشعور مؤلم فقط، ولكن هذا أول ما شعرت به لدى وصولي: ألمٌ مفرحٌ وألمٌ محزن.

صورة- سأرسم لكِ مشهد: قبة الصخرة هي ما أراه في كل بيت فلسطيني وبأشكال مختلفة… وهذه الصورة أصبحت جزءاً مني لا شعورياً وكانت كحلم غير حقيقي، لذلك عندما زرت قبة الصخرة  ومع اقتراب خطواتي منها بدأت تتكشف ملامحها قليلاً قليلاً وكنت أفكر في ذاتي “يا الله هذا واقع، هذا موجود، أنا هنا” كانت عاطفتي هي التي تتكلم وحتى عقلي الباطني.

أنا أقترب والصورة توضح… هذه هي الصورة العالقة بروحي.

هذا شيء جميل، بأن شيئاً حملته في ذاتك منذ الطفولة ومن ثم فجأة ترينه

بعيداً عن فلسطين، أريد أن أتحدث عن المرأة في لوحاتك… ماذا يعني لكِ جسد المرأة المتكرر في لوحاتك، هل تمثل جرأة المرأة التي رفضت الخضوع للعادات والتقاليد؟

أنا عندي عدة مجموعات، وواحدة فقط هي عن جسد المرأة وهي (فوضى الجسد) وتعني كيف يطغى الجسد على الروح والحضور… بحيث لا يُرى أبعد من الجسد، والروح لا يُسمع صوتها إذ ضجة الجسد عالية. ورسالتي من هذه المجموعة بأن أقول “انتظروا حتى يهدأ ضجيج الجسد لتروا أبعد من الجسد… وأنا أعرف أن للجسد حضور قوي قبل الروح… ولكن أقول انتظر قد تجد ما يعجبك… وقد لا تجده.

أما المجموعة الثانية فهي (ماذا تحبين أو تكرهين في كونك امرأة)، ضمن هذه المجموعة سألت صديقاتي ماذا يحبّن ويكرهن في كونهن نساء، وبناءً على أجوبتهن رسمت اللوحات بإيحاءات من مساهماتهن… ووُجدت المجموعة لتجسد بمعالم وإيحاءات واضحة أكثر ثم كتبت باليد خواطر للنساء.

ثم تأتي مجموعة  (نساء كناطحات سحاب) والتي كانت توضيحية أكثر بدون إيحاءات جسدية وهي تعني أرواح النساء… النساء اللواتي هنّ مثل ناطحات سحاب.. أي كوننا نساء لطيفات وناعمات لا تعني بأننا ضعيفات.

 

  • هل توجد امرأة أو قصة امرأة أثرت بكِ أو ألهمتكِ في الكتابة؟

والدتي وهي فنانة مبدعة بالنسيج، ودائماً تتقبل أفكاري رغم أن أفكاري قد تُعتبر جنونية مقارنة بها. وأيضاً والدة والدي أثرت بي مع أنها أميّة ولكن قوتها وطريقة تربيتها لأولادها ألهمتني، ووالدتي مثلها. ومنهما تعلمت بأنه لتكوني قوية لا يعني بأن تكوني عنيفة أو مسترجلة.

  • لفت انتباهي في كتاباتك نص “لزهرة الليمون”… أتعكسين فيها فكرة الاغتصاب؟

نعم. ويحزنني بأن التجرد من ثيابنا يعني الضعف، وأعرف أن بطبيعة سيكولوجيا البشر هذا ما يحصل، ولكنني أتمنى لو أن يكون الجسد مثالاً للقوة، ولا أعني هنا بهدف عرض الجسد ولكن ببساطة أعني بأنه بجسدي أنا قوية ومازلت ذات الشخص حتى لو خلعت عني ثيابي فأنا مازلت قوية… هذه هي رسالتي.

وهذا رأيي أقصده بشكل عام وينطبق على الرجل والمرأة فهو منظور إنساني. وهذا ما قصدته في القصة، فعلى الرغم من أنه اغتصبها ولكنه لم ينتصر لأنه فشل في إشباع رغبتها… لم يأخذ منها شيئاً لأنها لم تعطِه الرغبة والأهم لم يكسر روحها.

 

  • “ليش” غجرية الروح؟

لقد عشت وسافرت لعدة أماكن مختلفة لذلك على الرغم من أنني فلسطينية الأصل ولكن هذا لا يمنع شعوري بالانتماء لكل الأماكن التي زرتها.

لقد ولدتُ في ليبيا وهناك تكمن ذكريات الطفولة الجميلة، ولا أستطيع إلغاء هذا الجزء منّي المنتمي إلى ليبيا. وذات الشيء بالنسبة لبريطانيا، لقد درست وتعرفت على زوجي هناك وبالتالي أنتمي أيضاً لبريطانيا ولذكرياتي مع المجتمع هناك. وكذلك الحال لكوني هنا في دبي، أولادي نشأوا هنا وأنا أبني ذكريات الآن هنا.

بالإضافة لذلك، كوني غجرية الروح قد جعلني متفتحة العقل والجسد والروح وأعني بأنني أرى التشابهات أكثر من الاختلافات بين المجتمعات سواء شرقية أم غربية وبغض النظر عن المعتقدات وغيرها.

ومن هنا أظن بأنه يجب أن نجعل من النقاط المشتركة نقطة انطلاق لنتعلم من بعضنا البعض. فهذه الروح الغجرية ساعدتني أن أجد النقاط  المشتركة مع أي شخص أتحدث إليه مما يزيل العقبات وبالتالي تكون النتيجة بأن نصل للكثير من الإفادة

كتابة وإعداد: عبير علّان

2 thoughts on “فنجان القهوة الثاني مع الرسامة والكاتبة فدوى القاسم

Leave a reply to Fadi CH Cancel reply